الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: قوله تعالى: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ}يجوز أن يكون العامل في {يوْم} {فلْيأْتُوا} أي فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق ليشفع الشركاء لهم.ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل، أي اذكر يوم يكشف عن ساق؛ فيوقف على {صادِقِين} ولا يوقف عليه على التقدير الأول.وقرئ {يوم نكشف} بالنون.وقرأ ابن عباس {يوم تكشف عن ساق} بتاء مسمّى الفاعل؛ أي تكشف الشدة أو القيامة عن ساقها؛ كقولهم: شمّرت الحرب عن ساقها.قال الشاعر:وقال الراجز: وقال آخر: وقال آخر: وعن ابن عباس أيضا والحسن وأبي العالية {تُكْشفُ} بتاء غير مسمّى الفاعل.وهذه القراءة راجعة إلى معنى {يُكْشف} وكأنه قال: يوم تكْشف القيامة عن شدة.وقرئ {يوْم تُكْشِف} بالتاء المضمومة وكسر الشين؛ من أكشف إذا دخل في الكشف.ومنه: أكشف الرجل فهو مُكْشِف؛ إذا انقلبت شفتُه العليا.وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ} قال: عن كرب وشدّة.أخبرنا ابن جُريج عن مجاهد قال: شدّة الأمر وجِدّه.وقال مجاهد: قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة.وقال أبو عبيدة: إذا اشتد الحرب والأمر قيل: كشف الأمرُ عن ساقه.والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجِدّ شمّر عن ساقه؛ فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة.وقيل: ساقُ الشيء أصله الذي به قِوامه؛ كساق الشجرة وساق الإنسان.أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها.وقيل: يكشف عن ساق جهنم.وقيل: عن ساق العرش.وقيل: يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن؛ أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج.فأما ما رُوِي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى.ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره.وقيل: يكشف عن نوره عز وجل.وروى أبو موسى: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عنْ ساقٍ} قال: «يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا» وقال أبو الليث السّمرْقنْدِيّ في تفسيره: حدّثنا الخليل بن أحمد قال حدّثنا ابن منيع قال حدّثنا هُدْبة قال حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بُردة عن أبي موسى قال حدّثني أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا كان يوم القيامة مُثِّل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربّا كنا نعبده في الدنيا ولم نره قال وتعرفونه إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقال فكيف تعرفونه ولم تروه قالوا إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجدّا وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصِي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ ويُدْعوْن إِلى السجود فلا يسْتطِيعُون} فيقول الله تعالى عبادي أرفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجلٍ منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار» قال أبو بردة: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: الله الذي لا إله إلا هو لقد حدّثك أبوك بهذا الحديث؟ فحلف له ثلاثة أيمان؛ فقال عمر: ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحبّ إليّ من هذا.وقال قيس بن السّكن: حدّث عبد الله بن مسعود عند عمر بن الخطاب فقال: إذا كان يوم القيامة قام الناس لربّ العالمين أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء، حُفاة عُراة يُلْجمهم العرق، فلا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم أربعين عاما، ثم ينادي منادٍ: أيها الناس، أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوّركم وأماتكم وأحياكم ثم عبدتم غيره أن يُولِّي كلّ قوم ما تولّوْا؟ قالوا: نعم.قال: فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونها حتى تقذفهم في النار، فيبقى المسلمون والمنافقون فيقال لهم: ألا تذهبون قد ذهب الناس؟ فيقولون حتى يأتينا ربنا؛ فيقال لهم: أو تعرفونه؟ فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه.قال فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلّى لهم فيخرّ من كان يعبده مخلصا ساجدا، ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد، فيذهب بهم إلى النار، ويدخل هؤلاء الجنة؛ فذلك قوله تعالى: {ويُدْعوْن إِلى السجود فلا يسْتطِيعُون}.{خاشِعة أبْصارُهُمْ} أي ذليلة متواضعة؛ ونصبها على الحال.{ترْهقُهُمْ ذِلّةٌ} وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم ووجوهُهم أشدّ بياضا من الثلج.وتسودّ وجوه المنافقين والكافرين حتى ترجع أشدّ سوادا من القار.قلت: معنى حديث أبي موسى وابن مسعود ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ وغيره.قوله تعالى: {وقدْ كانُواْ يُدْعوْن إِلى السجود} أي في الدنيا.{وهُمْ سالِمُون} مُعافوْن أصّحاء.قال إبراهيم التّيْميّ: أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبونه.وقال سعيد بن جُبير: كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجيبون.وقال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلّفون عن الجماعات.وقيل: أي بالتكليف المُوجّه عليهم في الشرع؛ والمعنى متقارب.وقد مضى في سورة (البقرة) الكلام في وجوب صلاة الجماعة.وكان الربيع بن خيْثم قد فُلِج وكان يُهادي بين الرجلين إلى المسجد؛ فقيل: يا أبا يزيد، لو صلّيت في بيتك لكانت لك رخصة.فقال: من سمع حيّ على الفلاح فلْيُجِب ولو حبْوا.وقيل لسعيد بن المسيّب: إن طارقا يريد قتلك فتغيّب.فقال: أبحيث لا يقْدِر الله عليّ؟ فقيل له: اجلس في بيتك.فقال: أسمع حيّ على الفلاح، فلا أجيب.قوله تعالى: {فذرْنِي} أي دعْنِي.{ومن يُكذِّبُ} (من) مفعول معه أو معطوف على ضمير المتكلم.{بهذا الحديث} يعني القرآن؛ قاله السدّيّ.وقيل: يوم القيامة.وهذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي فأنا أجازيهم وأنتقم منهم.ثم قال: {سنسْتدْرِجُهُمْ مِّنْ حيْثُ لا يعْلمُون} معناه سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون؛ فعُذّبوا يوم بدْر.وقال سفيان الثّوْريّ: نُسبغ عليهم النعم ونُنسيهم الشكر.وقال الحسن: كم مستدرج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالسّتر عليه.وقال أبو روْق: أي كلّما أحدثوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار.وقال ابن عباس: سنمكر بهم.وقيل: هو أن نأخذهم قليلا ولا نباغتهم.وفي حديث «أن رجلا من بني إسرائيل قال يا ربّ كم أعصيك وأنت لا تعاقبني قال فأوحى الله إلى نبيّ زمانهم أن قل له كم من عقوبة لي عليك وأنت لا تشعر. إن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراجٌ منيّ وعقوبةٌ لو عقلت».والاستدراج: ترك المعاجلة.وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرّج.ومنه قيل درجة؛ وهي منزلة بعد منزلة.واستدرج فلان فلانا؛ أي استخرج ما عنده قليلا.ويقال: درّجه إلى كذا واستدرجه بمعنى؛ (أي) أدناه منه على التدريج فتدرّج هو.{وأُمْلِي لهُمْ} أي أمهلهم وأطيل لهم المدّة.والملاوة: المُدة من الدهر.وأملى الله له أي أطال له.والملوان: الليل والنهار.وقيل: {وأُمْلِي لهُمْ} أي لا أعاجلهم بالموت؛ والمعنى واحد.وقد مضى في (الأعراف) بيان هذا.{إِنّ كيْدِي متِينٌ} أي إن عذابي لقوِيّ شديد فلا يفوتني أحد.{أمْ تسْألُهُمْ أجْرا فهُمْ مِنْ مغْرمٍ مُثْقلُون (46)}عاد الكلام إلى ما تقدّم من قوله تعالى: {أمْ لهُمْ شُركاءُ}.أي أم تلتمس منهم ثوابا على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله؟ فهم من غرامة ذلك مثقلون لما يشقّ عليهم من بذل المال؛ أي ليس عليهم كُلْفة، بل يستولون بمتابعتك على خزائن الأرض ويصلون إلى جنات النعيم.قوله تعالى: {أمْ عِندهُمُ الغيب} أي علم ما غاب عنهم.{فهُمْ يكْتُبُون} وقيل: أينزل عليهم الْوحْيُ بهذا الذي يقولون.وعن ابن عباس: الغيب هنا اللوح المحفوظ؛ فهم يكتبون مما فيه يخاصمونك به، ويكتبون أنهم أفضل منكم، وأنهم لا يعاقبون.وقيل: {يكْتُبُون} يحكمون لأنفسهم بما يريدون. اهـ. .قال الألوسي: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ} متعلق بقوله تعالى: {فليأتوا} [القلم: 41] على الوجهين ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو يكون كيت وكيت وقيل بخاشعة وقيل بترهقهم وأيا ما كان فالمراد بذلك اليوم عند الجمهور يوم القيامة والساق ما فوق القدم وكشفها والتشمير عنها مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب حتى أنه يستعمل بحيث لا يتصور ساق بوجه كما في قول حاتم:وقول الراجز: وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب فإنهن لا يفعلن ذلك إلا إذا عظم الخطب واشتد الأمر فيذهلن عن الستر بذيل الصيانة وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وعكرمة وجماعة وقد روي أيضا عن ابن عباس أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عنه أنه سئل عن ذلك فقال إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر: والروايات عنه رضي الله تعالى عنه بهذا المعنى كثيرة وقيل ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان والمراد يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصولها بحيث تصير عيانا وإليه يشير كلام الربيع بن أنس فقد أخرج عبد بن حميد عنه أنه قال في ذلك يوم يكشف الغطاء وكذا ما أخرجه البيهقي على ابن عباس أيضا قال حين يكشف الأمر وتبدوا الأعمال وفي الساق على هذا المعنى استعارة تصريحية وفي (الكشف) تجوز آخر أو هو ترشيح للاستعارة باق على حقيقته وتنكير ساق قيل للتهويل على الأول وللتعظيم على الثاني وقيل لا ينظر إلى شيء منهما على الأول لأن الكلام عليه تمثيل وهو لا ينظر فيه للمفردات أصلا وذهب بعضهم إلى أن المراد بالساق ساقه سبحانه وتعالى وأن الآية من المتشابه واستدل على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا وأنكر ذلك سعيد بن جبير أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه سئل عن الآية فغضب غضبا شديدا وقال: إن أقواما يزعمون أن الله سبحانه يكشف عن ساقه وإنما يكشف عن الأمر الشديد وعليه يحمل ما في الحديث على الأمر الشديد أيضا وإضافته إليه عز وجل لتهويل أمره وأنه أمر لا يقدر عليه سواه عز وجل وأرباب الباطن من الصوفية يقولون بالظاهر ويدعون أن ذلك عند التجلي الصوري وعليه حملوا أيضا ما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده والطبراني والدارقطني في الرؤية والحاكم وصححه وابن مردويه وغيرهم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يجمع الله الناس يوم القيامة وينزل الله في ظلل من الغمام فينادي مناد يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا ويتولى أليس ذلك عدلا من ربكم قالوا بلى قال فلينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ويتمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا ويمثل لمن كان يعبد عيسى عليه السلام شيطان عيسى وكذا يمثل لمن كان يعبد عزيرا حتى تمثل لهم الشجرة والعود والحجر ويبقى أهل الإسلام جثوما فيتمثل لهم الرب عز وجل فيقال لهم ما لكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس فيقولون إن لنا ربا ما رأيناه بعد فيقول فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه قالوا بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه قال وما هي قالوا: يكشف عن ساق فيكشف عند ذلك» الحديث.وهو نظائره من المتشابه عند السلف وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة {يكشف} بفتح الياء مبنيا الفاعل وهي رواية عن ابن عباس وقرأ ابن هرمز {نكشف} بالنون وقرئ {يكشف} بالياء التحتية مضمومة وكسر الشين من أكشف إذا دخل في الكشف ومنه اكشف الرجل فهو مكشف انقلبت شفته العليا وقرئ {تكشف} بالتاء الفوقية والبناء للفاعل وهو ضمير الساعة المعلومة من ذكر يوم القيامة أو الحال المعلومة من دلالة الحال وبها والبناء للمفعول وجعل الضمير للساعة أو الحال أيضا وتعقب بأنه يكون الأصل حينئذٍ يكشف الله الساعة عن ساقها مثلا ولو قيل ذلك لم يستقم لاستدعائه إبداء الساق وإذهاب الساعة كما تقول كشفت عن وجهها القناع والساعة ليست سترا على الساق حتى تكشف وأجيب أنها جعلت سترا مبالغة لأن المخدرة تبالغ في الستر جهدها فكأنها نفس الستر فقيل تكشف الساعة وهذا كما تقول كشفت زيدا عن جهله إذا بالغت في إظهار جهله لأنه كان سترا على جهله يستر معايبه فابنته وأظهرته إظهارا لم يخف على أحد وقيل عليه أن الإذهاب حينئذٍ ادعائي ولا يخفى ما فيه من التكلف ولا عبرة بما ذكر من المثال المصنوع وأقل تكلفا منه جعل عن ساق بدل اشتمال من الضمير المستتر في الفعل بعد نزع الخافض منه والأصل يكشف عنها أي عن الساعة أو الحال فنزع الخافض واستتر الضمير وتعقب بأن إبدال الجار والمجرور من الضمير المرفوع لا يصح بحسب قواعد العربية فهو ضغث على إبالة وتكلف على تكلف وقيل أن عن ساق نائب الفاعل وتعقب بأن حق الفعل التذكير كصرف عن هند ومر بدعد {ويُدْعوْن إِلى السجود} توبيخا وتعنيفا على تركهم إياه في الدنيا وتحسيرا لهم على تفريطهم في ذلك {فلا يسْتطِيعُون} لزوال القدرة عليه وفيه دلالة على أنهم يقصدونه فلا يتأتى منهم وعن ابن مسعود تعقم أصلابهم أي ترد عظاما بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض وتقدم في حديث البخاري ومن معه ما سمعت وفي حديث «تصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظما واحدا» والظاهر أن الداعي الله تعالى أو الملك وقيل هو ما يرونه من سجود المؤمنين واستدل أبو مسلم بهذه الآية على أن يوم الكشف في الدنيا قال لأنه تعالى قال: {ويُدْعوْن إِلى السجود} ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف فيراد منه إما أخر أيام الشخص في دنياه حين يرى الملائكة وإما وقت المرض والهرم والمعجزة ويدفع بما أشرنا إليه.{خاشعة أبصارهم} حال من مرفوع يدعون على أن أبصارهم مرتفع به على الفاعلية ونسبة الخشوع إلى الأبصار لظهور أثره فيها {ترْهقُهُمْ} تلحقهم وتغشاهم {ذِلّةٌ} شديدة {وقدْ كانُواْ يُدْعوْن إِلى السجود} في الدنيا والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير أو لأن المراد به الصلوات المكتوبة كما قال النخعي والشعبي أو جميع الطاعات كما قيل والدعوة دعوة التكليف وقال ابن عباس وابن جبير كانوا يسمعون الأذان والنداء للصلاة فلا يجيبون {وهُمْ سالمون} متمكنون منه أقوى تمكن أي فلا يجيبون إليه ويأبونه وترك ذكر هذا ثقة بظهوره.{فذرْنِى ومن يُكذّبُ بهذا الحديث} أي إذا كان حالهم ما سمعت فكل من يكذب بالقرآن إلى واستكفنيه فإن في ما يفرغ بالك ويخلي همك وهو من بليغ الكلام يفيد أن المتكلم واثق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما يدور حول أمنية المخاطب وبما يزيد عليه وقد حققه جار الله بما حاصله أن من استكفى أحدا ترك الأمر إليه وإلا كان استعانة لا استكفاء فأقيم الرادف أعني التخلية وأن يذره وإياه مقام الاستكفاء مبالغة وإنباء عن الكفاية البالغة كيف وهذا الكافي طلب الاستكفاء بقوله: {ذرني} وأبرز ترك الاستكفاء في صورة المنع مبالغة على مبالغة فلو لم يكن شديد الوثوق بتمكنه من الوفاء أقصى التمكن وفوق ما يحوم حول خاطر المستكفي لما كان للطلب على هذا الوجه الأبلغ وجه ومن في موضع نصب إما عطفا على المنصوب في ذرني أو على أنه مفعول معه وقوله تعالى: {سنسْتدْرِجُهُم} استئناف مسوق لبيان كيفية التعذيب المستفاد من الكلام السابق إجمالا والضمير لمن والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في يكذب باعتبار لفظها أي سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة {مّنْ حيْثُ لا يعْلمُون} أنه استدراج بل يزعمون أن ذلك إيثار لهم وتفضل على المؤمنين مع أنه سبب لهلاكهم.{وأُمْلِى لهُمْ} وأمهلهم ليزدادوا إثما وهم يزعمون أن ذلك لإرادة الخير بهم {إِنّ كيْدِى متِينٌ} لا يدفع بشيء وتسمية ذلك كيدا وهو ضرب من الاحتيال لكونه في صورته حيث إنه سبحانه يفعل معهم ما هو نفع لهم ظاهرا ومراده عز وجل به الضرر لما علم من خبث جبلتهم وتماديهم في الكفر والكفران.{أمْ تسْئلُهُمْ} على الإبلاغ والإرشاد {أجْرا} دنيويا {فهُمُ} لأجل ذلك {مّن مّغْرمٍ} أي غرامة مالية {مُّثْقلُون} مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك وهذه الجملة على ما قاله ابن الشيخ معطوفة على قوله تعالى: {أم لهم شركاء}{أمْ عِندهُمُ الغيب} أي المغيبات أو للوح وأطلق الغيب عليه مجازا لأنه محل لكتابة المغيبات أو لظهور صورها بناء على الخلاف المعروف فيه والقرينة {فهُمْ يكْتُبُون} ما يحكمون به ويستغنون بذلك عن علمك. اهـ.
|